ظهرت الشركة القابضة (Holding Company) لأول مرة في الولايات المتحدة أواخر القرن التاسع عشر كأداة للتركيز الاقتصادي والهيمنة على قطاعات صناعية، وتجارية، وخدمية متعددة. عربيًا، كان المشرّع اللبناني من أوائل من نظّمها بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 45 لسنة 1983، ثم توالت التشريعات في الدول العربية الأخرى.
الشركة القابضة ليست شكلًا جديدًا من الشركات، بل هي إطار قانوني يسمح لشركةٍ ما بالسيطرة على شركاتٍ أخرى بهدف الإدارة، والاستثمار، وإعادة الهيكلة. وعلى المستوى العربي، سبقت تشريعات الأردن، والسعودية، والإمارات في تنظيمها، قبل أن يعتمدها المشرّع العراقي رسميًا ضمن قانون تعديل قانون الشركات رقم (21) لسنة 1997 بموجب القانون رقم 17 لسنة 2019، الذي عرّف الشركة القابضة وحدّد شروط تكوينها، وحقوقها، والتزاماتها.
الأساس القانوني للشركة القابضة في القانون العراقي
نصّت المادة (7) مكرّرة، المضافة إلى قانون الشركات بموجب القانون رقم 17 لسنة 2019، على أن: "الشركة القابضة هي شركة مساهمة أو محدودة تسيطر على شركة أو شركات مساهمة أو محدودة تدعى الشركات التابعة".
النص القانوني وضع حالتين تتحقق فيهما سيطرة الشركة القابضة في القانون العراقي:
-
الملكية: امتلاك أكثر من نصف رأس مال الشركة التابعة (50% + 1)، إضافةً إلى السيطرة على إدارتها. من البديهي أن من يمتلك أغلبية رأس المال سيكون له الصوت الأكبر في اتخاذ القرارات، وبالتالي يحقق السيطرة المطلوبة على إدارة الشركة.
-
السيطرة على مجلس الإدارة: نصّت المادة 7 مكررة على هذا الشرط في حالة الشركات المساهمة، وهو أن تمتلك الشركة القابضة السيطرة على مجلس إدارة الشركة المساهمة التابعة لها.
بالإضافة إلى هذه الشروط، نصّت المادة 7 مكررة على ضرورة أن يتبع اسم الشركة القابضة كلمة "قابضة" تذكر في جميع الأوراق، والإعلانات، والمراسلات التي تصدر عنها.
مساهمة الأجنبي
أشارت المادة 12 من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997 إلى جواز تملك الشخص الطبيعي أو المعنوي الأجنبي حق اكتساب العضوية في الشركات المنصوص عليها في القانون (بما فيها الشركة القابضة) بصفة مؤسس، أو مساهم، أو شريك. خاصةً في الشركات المساهمة والمحدودة، شريطة ألّا تقل نسبة مساهمة العراقي عن 51% من رأس مالها.
اختصاصات وامتيازات الشركة القابضة
تحدد المادة (7) المكررة اختصاصات الشركة القابضة بهدف دعم الاقتصاد الوطني، حسب ما ورد في الأسباب الموجبة لقانون التعديل. ومن هذه الاختصاصات:
-
امتلاك الأموال المنقولة وغير المنقولة: نصّت على ذلك الفقرة (ثانيًا-أ-م7). وهذا الامتلاك، شأنه شأن بقية أنواع الشركات، مقيّد بشرط أن يكون بهدف تحقيق أغراض الشركة. فإذا كانت هذه الأموال لا تخدم أغراض الشركة، فلا يجوز تملكها. على سبيل المثال، لا يجوز لشركة متخصصة في التطوير العقاري تملك أسهم في شركات متخصصة في صناعة التبغ.
-
تأسيس الشركات التابعة وإدارتها: للشركة القابضة في العراق الحق في تأسيس شركات تابعة لها، وهو ما نصّت عليه الفقرة (ثانيًا-ب-م7) من قانون الشركات رقم 21 لسنة 1997. وتضمن النص أيضًا حق الشركة القابضة في إدارة الشركات التي تؤسسها أو التي تمتلك أسهمًا فيها. ويُعدّ هذا الحق المظهر الأساسي لممارسة الشركة القابضة لسيطرتها.
-
استثمار أموالها في الأسهم والسندات والأوراق المالية: نصّت الفقرة (ثانيًا-ج-م7) من قانون الشركات العراقي على أن للشركة القابضة في العراق "استثمار أموالها في الأسهم والسندات والأوراق المالية". ويتم ذلك من خلال شرائها بهدف تملكها ثم استثمارها.
-
تقديم الائتمان والدعم للشركات التابعة: نصّت الفقرة (ثانيًا-د-م7) على أن من أغراض الشركة القابضة "تقديم القروض والكفالات والتمويل للشركات التابعة لها". وبناءً على ذلك، يمكن للشركة القابضة تقديم الائتمان والدعم لأنشطتها، ومنحها القروض، وكفالتها عن التزاماتها.
-
امتلاك براءات الاختراع والعلامات التجارية والحقوق المعنوية وتأجيرها: للشركة القابضة امتلاك هذه الحقوق وتأجيرها للشركات التابعة أو للغير.
بناءً على هذه الصلاحيات، فإن إنشاء شركة قابضة في العراق أو التحوّل إلى هذا النموذج يتيح السيطرة الفعلية على قطاع معيّن من خلال امتلاك 51% فأكثر من أسهم الشركة التابعة. هذا الحدّ يمكّن القابضة، من حيث المبدأ، من تمرير القرارات العادية في الهيئة العامة، وتعيين وعزل أغلبية مجلس الإدارة، وتوجيه السياسات التشغيلية والمالية للشركة التابعة، واعتماد الموازنات والخطط، ومن ثمّ التأثير المباشر في اتجاهاتها الاستراتيجية دون الحاجة إلى شراء 100% من الأسهم.
تتجلى الفوائد العملية أيضًا في سهولة إعادة تشكيل المحفظة؛ فبإمكان القابضة بيع أو شراء شركات تابعة، ودمج كيانات، وفصل أنشطة، أو إدخال مستثمرين جدد على مستوى الشركة التابعة من دون المساس ببقية المجموعة. كما يتيح هيكل القابضة فصل المخاطر بين الكيانات، بحيث تبقى مخاطر كل نشاط في شركته ولا تنتقل تلقائيًا إلى الشركات التابعة الأخرى. كل ذلك يعتمد على كفاءة أسلوب الإدارة لدى الشركة القابضة.
التمييز بين الشركة التابعة وفرع الشركة
الشركة التابعة (Subsidiary Company) هي الشركة التي تستحوذ الشركة القابضة في العراق على غالبية أسهمها بما يضمن لها إدارتها. هنا يجب التفرقة بينها وبين فرع الشركة، فالشركة التابعة هي كيان قائم بذاته مستقل بشخصيته المعنوية.
الشخصية المعنوية لدى فرع الشركة: فرع الشركة الأجنبية في العراق لا يمتلك أي شخصية معنوية أو استقلال. وقد أكدت ذلك محكمة التمييز الاتحادية بقرارها المرقم 1400/الهيئة المدنية/ 2025. ويُعدّ هذا القرار تأكيدًا لما جاء به نظام فروع الشركات الأجنبية في العراق رقم (2) لسنة 2017 المعدّل، الذي عرّف الشركة الأجنبية بأنها "الشركة أو المؤسسة أو الكيان المسجل خارج العراق بموجب قانون أجنبي"، في حين يكون الفرع مجرد ممثل لها داخل العراق دون أن يكتسب صفة الاستقلال القانوني.
السؤال الذي يثار هنا: إذا كان فرع الشركة الأجنبية داخل العراق لا يملك الشخصية المعنوية، فكيف سيتم التعامل معه قانونيًا في قوانين مثل قانون العمل وغيرها؟
على الرغم من أن الفرع لا يملك شخصية معنوية مستقلة، إلا أنه يُعدّ الممثل القانوني للشركة الأم داخل العراق. وبالتالي، تُوجّه الدعاوى المتعلقة بالمخالفات العمالية أو قضايا العمل ضد الشركة الأم، ممثلة بالفرع. فالقضاء العراقي يتعامل مع الفرع باعتباره المكان الذي تمارس فيه الأنشطة الفعلية، ولذلك تُقبل الدعاوى العمالية ضده باسم الشركة الأم، مع تبليغ الفرع بصفته ممثلها المحلي.
بعض الأعمال المحظورة على الشركة القابضة وشركاتها التابعة
حظر قانون الشركات العراقي على الشركة القابضة وشركاتها التابعة مزاولة بعض الأنشطة أو القيام ببعض التصرفات:
ما يتعلق بالشركة القابضة:
-
لا يجوز لها مباشرة أغراض غير تلك التي حدّدها القانون على سبيل الحصر.
-
لا يجوز للشركة القابضة، التي تتخذ شكل الشركة المساهمة أو المحدودة، أن تتملك أسهمًا أو تسيطر على شركات تتخذ شكل شركة تضامنية أو شركة مشروع فردي.
في هذا السياق، يجب الإشارة إلى المادة 9 من قانون المنافسة ومنع الاحتكار رقم 14 لسنة 2010 التي نصّت على: "يحظر أي اندماج بين شركتين أو أكثر أو أية ممارسة تجارية مقيّدة إذا كانت الشركة أو مجموعة من الشركات المندمجة أو المرتبطة مع بعضها تسيطر على 50% أو أكثر من مجموع إنتاج سلعة أو خدمة معينة أو إذا كانت تسيطر على 50% أو أكثر من مجموع مبيعات السلعة أو خدمة معينة". ينطبق هذا النص على الشركة القابضة وشركاتها التابعة، وغايته حماية المنافسة ومنع انفراد جهة واحدة بسوق سلعة أو خدمة بعينها، مما قد يؤدي إلى استبداد تلك الجهة بالأسعار.
ما يتعلق بالشركة التابعة:
-
قررت الفقرة (ثالثًا-أ-م7) من قانون الشركات العراقي بأنه: "يحظر على الشركة التابعة تملك أسهمًا في الشركة القابضة، ويُعدّ باطلًا كل تصرّف من شأنه نقل ملكية الأسهم من الشركة القابضة إلى الشركة التابعة".
الغاية من هذا النص هي منع انعكاس مفهوم الشركة القابضة؛ فالفكرة الأساسية التي تقوم عليها هي سيطرتها على شركة أو مجموعة من الشركات التابعة. وبناءً عليه، فإن الفرض العكسي، وهو أن تمتلك الشركة التابعة أسهمًا في الشركة القابضة، يناقض الفكرة التي قامت عليها الشركة القابضة. ولهذا السبب، قرر المشرّع بطلان أي تصرّف يتعارض مع أحكام هذه المادة.
ننصحكم باتخاذ خطوة استباقية للتواصل مع شركة محاماة في العراق. إن الحصول على استشارة قانونية مهنية يعد خطوة حاسمة لضمان حماية مصالحكم وفهم الإطار القانوني المحلي بشكل دقيق. يمكن لخبرائهم تقديم الدعم والإرشاد اللازمين لإتمام معاملاتكم بنجاح وتجنب أي تعقيدات محتملة.
المصادر
-
مقالة بعنوان (Holding Company) متاحة على الموقع الإلكتروني U-S-History.com
-
"الشركات التجارية وفقًا لقانون الشركات رقم 21 لسنة 1997"، الدكتور فاروق إبراهيم جاسم، بغداد، مكتبة القانون المقارن.
-
قرار محكمة التمييز الاتحادية بالعدد 1400/الهيئة المدنية/ 2025.