الحجية القانونية للمستندات والرسائل الإلكترونية في العراق تقوم على مساواة المحرر الإلكتروني بالمحرر الورقي متى استوفى الشروط القانونية والتقنية التي تضمن موثوقيته، وقد نص قانون التوقيع الإلكتروني في المادة (13/أولًا) على أن للمستندات الإلكترونية والكتابة الإلكترونية والعقود الإلكترونية نفس الحجية القانونية لمثيلاتها الورقية إذا توافرت شروط محددة.
شروط الحجية القانونية للمستندات والرسائل الإلكترونية وفق المادة 13/أولًا
يشترط القانون لاكتساب الحجية القانونية للمستندات والرسائل الإلكترونية توافر الشروط الآتية:
-
قابلية الحفظ والاسترجاع
-
أن تكون المعلومات الواردة في المستند الإلكتروني قابلة للحفظ والتخزين بحيث يمكن استرجاعها في أي وقت
-
يضمن ذلك وجود سجل إلكتروني ثابت يمكن الرجوع إليه دون ضياع أو تلف
-
سلامة المحتوى من التعديل
-
إمكانية الاحتفاظ بالمستند بالشكل الذي تم إنشاؤه أو إرساله أو تسلمه به أو بأي شكل يسهّل إثبات دقة المعلومات
-
أن يكون المحتوى غير قابل للتعديل بالإضافة أو الحذف بما يمنع العبث بالبيانات بعد إنشائها
-
هوية المرسل والوقت
-
أن تكون المعلومات دالة على هوية من أنشأ المستند أو أرسله أو تسلمه
-
مع بيان تاريخ ووقت الإرسال والتسلم بما يحقق تتبع المصدر والوجهة والزمن بدقة
هذه الشروط الثلاثة مجتمعة تهدف إلى ضمان موثوقية المستند الإلكتروني من حيث حفظه وسلامة محتواه وتحديد منشئه ومستلمه، وباستيفائها تصبح الرسائل الإلكترونية بما فيها البريد الإلكتروني ذات حجية قانونية مساوية للسندات الورقية العادية في الإثبات.
طرق إثبات صحة المستند الإلكتروني وفق المادة 13/ثالثًا
أجاز القانون لكل من الموقّع أو المرسل إليه إثبات صحة المستند الإلكتروني بجميع طرق الإثبات القانونية المتاحة، بما يفتح المجال لاستخدام أدلة متعددة عند النزاع حول صحة الرسالة الإلكترونية:
-
الشهادة
-
القرائن
-
الخبرة الفنية والأدلة التقنية
وبناءً على ذلك فإن البريد الإلكتروني الموقّع إلكترونيًا والمستوفي للشروط يتمتع بذات قوة الإثبات التي للسند العادي المكتوب، كما أكد قانون الإثبات رقم 107 لسنة 1979 هذا المبدأ بالنسبة للرسائل الموقّع عليها.
التوقيع الإلكتروني المعتمد وحجيته القانونية
الحجية القانونية للمستندات والرسائل الإلكترونية تكتمل عادة عندما تكون الرسالة موقعة بتوقيع إلكتروني موثق، وقد عرّف قانون 78 لسنة 2012 التوقيع الإلكتروني بأنه علامة شخصية تتخذ شكل حروف أو أرقام أو رموز أو إشارات أو أصوات أو غيرها ولها طابع متفرد يدل على نسبتها إلى الموقّع وتكون معتمدة من جهة التصديق.
جهة التصديق ومعنى الاعتماد
جهة التصديق هي الشخص المعنوي المرخص له إصدار شهادات تصديق التوقيع الإلكتروني، أي الجهة المعتمدة التي تصدر شهادة رقمية تربط هوية الموقّع ببيانات توقيعه الإلكتروني.
حجية التوقيع الإلكتروني وفق المادة 4/ثانيًا
نصت المادة (4/ثانيًا) على أن للتوقيع الإلكتروني في المعاملات المدنية والتجارية والإدارية الحجية ذاتها المقررة للتوقيع الخطي متى تم إنشاء التوقيع وفقًا لشروط المادة (5).
شروط حجية التوقيع الإلكتروني وفق المادة 5
يشترط القانون لتمتع التوقيع الإلكتروني بحجية الإثبات ما يأتي:
-
أن يكون التوقيع الإلكتروني معتمدًا من جهة تصديق مرخصة وأن تصدر بشأنه شهادة تصديق صحيحة ونافذة
-
أن يرتبط التوقيع الإلكتروني بشخص الموقّع وحده دون غيره
-
أن يكون الوسيط الإلكتروني المستخدم في إنشاء التوقيع تحت سيطرة الموقّع وحده أثناء عملية التوقيع
-
أن يكون أي تعديل أو تبديل في التوقيع الإلكتروني قابلًا للكشف بإجراءات وتقنيات محددة لمنع التزوير أو اكتشافه عند وقوعه
-
أن يتم إنشاء التوقيع وفق الإجراءات الفنية التي تحددها الجهة المختصة بموجب تعليمات يصدرها الوزير لضمان الالتزام بالمعايير التقنية
بتحقق هذه الشروط يعد التوقيع الإلكتروني المعتمد صحيحًا وملزمًا كالتوقيع اليدوي، ويعتد بالمستند الإلكتروني الموقع توقيعًا موثقًا قانونًا في الإثبات كأنه موقع بخط اليد، كما أن غياب اعتماد التوقيع من جهة تصديق يفقده الكثير من قيمته القانونية لأن القانون يشترط شهادة تصديق إلكترونية سارية لاعتبار التوقيع موثقًا.
جهات التصديق وتنفيذ القانون عمليًا
الحجية القانونية للمستندات والرسائل الإلكترونية ترتبط عمليًا بوجود جهات تصديق مرخصة وبنية تحتية لإصدار الشهادات الرقمية، ورغم صدور قانون 2012 تأخر تفعيله مدة طويلة بسبب عدم وجود جهات تصديق مرخصة، وتولت الشركة العامة لخدمات الشبكة الدولية للمعلومات التابعة لوزارة الاتصالات دور المنظم والمسجل المؤقت لتوقيع الجهات الحكومية.
تعليمات 2025 والتفعيل التنفيذي
في عام 2025 صدرت تعليمات رقم (1) لسنة 2025 لتسهيل تنفيذ قانون التوقيع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية رقم 78 لسنة 2012، ووضعت إطارًا عمليًا وترتيبات فنية لمنح التراخيص لجهات التصديق، وبموجبها تمنح وزارة الاتصالات عبر الجهة المختصة التراخيص وتحدد نطاق عمل جهات التصديق وفق شروط فنية وقانونية، مع السماح للمؤسسات الحكومية وشركات القطاع الخاص المتخصصة بالتقدم للحصول على ترخيص إصدار شهادات التصديق.
أول ترخيص رسمي لجهة تصديق خاصة
شهد عام 2025 أول ترخيص رسمي لشركة خاصة لتكون جهة تصديق إلكتروني في العراق، وجرى التعاقد مع شركة فانرايز Vanrise Solutions لبناء وتشغيل منظومة التوقيع الإلكتروني الوطنية وحصلت على ترخيص لإصدار الشهادات الرقمية لمدة خمس سنوات وفقًا لقانون 78 لسنة 2012، وتزامن ذلك مع استكمال جزء كبير من البنية التحتية التقنية وإطلاق الخدمة رسميًا تحت إشراف الجهات المختصة.
حجية نسخ المستندات الإلكترونية وفق المادة 14
قد يستلزم الإثبات تقديم صورة أو نسخة إلكترونية عن المستند الأصلي، وقد عالجت المادة (14) هذا الأمر واعتبرت الصورة المنسوخة بحكم النسخة الأصلية إذا توافرت شروط محددة.
شروط حجية النسخة الإلكترونية كأصل
تتمتع النسخة الإلكترونية بقوة النسخة الأصلية إذا استوفت ما يأتي:
-
التطابق التام مع النسخة الأصلية دون تحريف أو نقصان
-
وجود المستند الإلكتروني الأصلي وتوقيعه على وسيط إلكتروني موثوق
-
إمكانية حفظ وتخزين بيانات النسخة بما يتيح الرجوع إليها عند الحاجة
-
حفظ النسخة بالشكل الذي أنشئت أو أرسلت أو تسلمت به النسخة الأصلية ووفق قوانين وتعليمات حفظ الوثائق
-
اشتمال النسخة على بيانات الموقّع والمتسلّم وتاريخ ووقت الإرسال والتسلم كما في الأصل
إذا استوفت النسخة هذه الشروط الخمسة فإنها تتمتع بالقوة الثبوتية ذاتها التي للنسخة الأصلية، ولا يطعن فيها لمجرد كونها صورة ما دام تطابقها مع الأصل ممكنًا وإثبات وجود الأصل الإلكتروني متحققًا.
قرينة صحة وسلامة المستند الإلكتروني وفق المادة 17
يعزز القانون الثقة بالمستندات الإلكترونية من خلال قرائن قانونية تفترض الصحة والسلامة ما لم يثبت العكس.
المستند الموقّع توقيعًا موثقًا يعد موثقًا بكامله
إذا حمل المستند الإلكتروني أو أي جزء منه توقيعًا إلكترونيًا موثقًا صحيحًا ضمن فترة صلاحية شهادة التصديق، فإنه يعد موثقًا من حيث صدوره ممن وقعه وموافقته على مضمونه بحسب نطاق التوقيع.
المستند صحيح من تاريخ إنشائه ما لم يثبت العكس
يفترض القانون سلامة المستند الإلكتروني منذ لحظة إنشائه وألا يكون قد طرأ عليه تعديل أو تحريف، وعلى من يدعي التغيير أو التزوير عبء إثبات ذلك، وهذه القرائن قابلة للإثبات العكسي عبر بينة فنية أو تقنية.
نطاق تطبيق القانون واستثناءات السريان
حدد قانون التوقيع الإلكتروني نطاق سريانه ثم استثنى مسائل محددة لا تسري عليها أحكامه.
نطاق السريان وفق المادة 3
تسري أحكام القانون على:
-
المعاملات الإلكترونية التي ينفذها الأشخاص الطبيعيون أو المعنويون
-
المعاملات التي يتفق أطرافها على تنفيذها بوسائل إلكترونية
-
الأوراق المالية والتجارية الإلكترونية مثل السندات والأسهم والشيكات الإلكترونية
الاستثناءات وفق المادة 3/ثانيًا
لا تسري أحكام القانون على:
-
مسائل الأحوال الشخصية
-
إنشاء الوصية أو الوقف وتعديل أحكامهما
-
التصرف بالأموال غير المنقولة والوكالات الخاصة بها وسندات الملكية والحقوق العينية عليها باستثناء عقود الإيجار
-
المعاملات التي رسم القانون لها شكلية معينة
-
إجراءات المحاكم والإعلانات القضائية والأوامر القضائية
-
المستندات التي يتطلب القانون توثيقها بواسطة الكاتب العدل
خلاصة الاستثناءات أن بعض التصرفات تبقى خارج الفضاء الإلكتروني بسبب طبيعتها الخاصة أو اشتراط الشكلية، مثل الزواج أو بيع العقارات أو التبليغات القضائية.
تقييد حجية المستند الإلكتروني بشرط الاستخدام وفق المادة 15/ثانيًا
أجاز القانون للموقّع أن يمنع المرسل إليه من استخدام المستند الإلكتروني لغير الغرض المعد من أجله وبخلاف ذلك تكون هذه المستندات غير ملزمة للموقّع، ويعني ذلك أنه إذا اشترط المرسل أن الوثيقة أو الرسالة مخصصة لغرض محدد فلا يجوز استعمالها خارج هذا الغرض، وإذا استعملها المتلقي خارج السياق الذي أعدت له فقد تفقد قوتها الملزمة في مواجهة الموقّع، وهو حكم يوفر حماية عملية عند المراسلات التي تكون لأغراض تفاوض أو تسوية وليس لإقرار نهائي.
الخاتمة
تؤكد أحكام قانون التوقيع الإلكتروني والمعاملات الإلكترونية رقم (78) لسنة 2012 أن الوثائق والرسائل الإلكترونية تُعامل كالمحررات الورقية في الإثبات متى تحققت شروط الحفظ والاسترجاع وسلامة المحتوى وتحديد الهوية والوقت وفق المادة (13)، مع تعزيز قوتها عبر التوقيع الإلكتروني المصدق وأحكام النسخ والقرائن، مع مراعاة نطاق التطبيق والاستثناءات.
إذا كنت بحاجة لتقييم قوة البريد الإلكتروني أو العقد الرقمي أو التوقيع الإلكتروني أمام المحاكم أو الجهات الإدارية، أو لوضع سياسات مراسلات وأرشفة تقلل المخاطر وتدعم الإثبات:
-
اطلب تقييمًا قانونيًا لقابلية الاعتماد على رسالة/مستند إلكتروني كدليل.
-
تحقق من مطابقة الشروط (المادة 13) وصحة شهادة التوقيع (المادة 5) قبل أي نزاع.
-
ضع سياسة داخلية للأرشفة، وإدارة النسخ، وتقييد الاستخدام عند الحاجة (المادة 15/ثانيًا).
للحصول على استشارة متخصصة، تواصل معنا باعتبارنا شركة محاماة في بغداد وكامل العراق تقدم خدمات في الأدلة الإلكترونية، والتعاقد الرقمي، والامتثال للتواقيع الإلكترونية.